كيفية التعامل مع الخلافات الزوجية بطريقة صحيحة وناجحة
الخلاف أمر طبيعي تماماً في كل زواج، والزواج الناجح ليس الذي لا يحدث فيه شجار، بل الذي يعرف كيف يُحل الخلاف قبل أن يتضخم.
الخلافات الزوجية جزء لا ينفصل عن الحياة المشتركة، لأن الزوجين شخصان مختلفان في الطباع والتربية والخبرات والطريقة التي يرى كل منهما العالم بها، فمهما بلغ الحب والانسجام فإن الاختلاف سيظهر عاجلاً أم اجلاً، والفرق بين الزواج السعيد والزواج التعيس ليس في غياب الخلاف، بل في الطريقة التي يُدار بها هذا الخلاف، هل يتحول إلى جرح يتراكم ويصبح قيحاً يسمم العلاقة، أم يتحول إلى فرصة للتفاهم الأعمق والرحمة الأكبر.
الكثير من الأزواج يظنون أن الصمت علاج، فيبتلع أحدهما غيظه حتى ينفجر يوماً بانفجار مدمر، وآخرون يظنون أن الصوت العالي دليل القوة، فيتحول البيت إلى حلبة مصارعة كلامية يخرج منها الاثنان مهزومين، والحقيقة أن أجمل ما في الزواج أن الله وصفه بأنه مودة ورحمة، والمودة لا تبنى بالصراخ، والرحمة لا تنشأ من التجريح.
ابدأوا دائماً بأن تذكّرا نفسكما أنكما لستما أعداء، المشكلة هي العدو، أنتما معاً ضدها، فإذا شعرتما أن أحدكما بدأ يغضب، توقفا فوراً، لا تستمرا في الكلام وهما في قمة الانفعال، لأن العقل حينها يغيب واللسان يجرح والقلب يتمزق، اذهبا كل إلى مكان هادئ، توضأ، صلّ ركعتين، اشرب ماء بارداً، امشِ قليلاً، انتظر حتى تهبط نبضات القلب، ثم عودا، لأن الكلام بعد الهدوء يصبح علاجاً، أما في قمة الغضب فيصبح سمّاً.
عندما تجلسان معاً بعد أن يهدأ البال، لا تتكلمان عن عشر مشاكل قديمة، ركزا على المشكلة الواحدة التي أشعلت الخلاف اليوم، اتركا الماضي في قبره، لا تنبشاه في كل معركة، لأن إثارة الأخطاء القديمة تجعل الطرف الآخر يشعر أنك تحتفظ له بملف اتهام دائم، وهذا يقتل الثقة، تكلم كل منكما عن شعوره بصدق، لا عن اتهام الآخر، قل: "أنا شعرت بالإهمال حين تأخرت ولم تخبرني" بدلاً من "أنت دائماً مهمل وغير مسؤول"، لأن جملة "أنا أشعر" تفتح القلب، أما جملة "أنت كذا وكذا" فتغلق الأبواب وتفتح أبواب الدفاع والمواجهة.
اسمع الطرف الآخر حتى النهاية دون أن تقاطعه، حتى لو كان كلامه يؤلمك، لأن الاستماع الحقيقي هو أول طريق العلاج، وعندما ينتهي، كرر ما فهمته بكلماتك أنت: "يعني أنتِ شعرتِ بالظلم لأنني لم أساعدك في ترتيب البيت رغم أنني كنت متفرغاً، صحيح؟"، هذا التكرار يجعل الطرف الآخر يشعر أنه مُسمع فعلاً، وليس مجرد شخص يُفرّغ غضبه في الهواء.
ثم ابحثا عن الحل معاً، لا كل واحد يتمسك برأيه حتى الموت، اسألا نفسكما: ما التصرف الذي يمكن أن يريح كلينا؟ ما الاتفاق الذي نستطيع أن نعيش معه ونحن مرتاحان؟ واكتبا هذا الاتفاق على ورقة صغيرة، ضعاها في مكان ظاهر، لأن الكتابة تلزم، والورقة تذكّر، وكثير من الأزواج اكتشفوا أن مجرد كتابة الاتفاق تجعل الالتزام به أسهل بكثير.
بعد الاتفاق يجب أن يأتي الاعتذار الصادق، ليس الاعتذار المشروط "أنا آسف بس أنتِ اللي بدأتِ"، لا، الاعتذار النقي الجميل: "أنا آسف لأنني جرحتك بكلامي، ولو رجع بي الزمن ما كنت سأقوله، أنتِ أغلى عندي من أن أؤذيكِ"، ثم يأتي الحضن الطويل، أو مسك اليد، أو القبلة على الجبين، لأن الجسد يحتاج أن يطمئن مثلما القلب يحتاج أن يسمع، والعلم أثبت أن الحضن عشر ثوانٍ فقط يفرز هرمون الأوكسيتوسين الذي يشفي الجراح ويعيد الشعور بالأمان.
لا تناما أبداً وأحدكما زعلان، حتى لو كان الحل مؤقتاً، قول: "أنا ما زلت متضايقاً لكنني أحبك وغداً نحلها معاً"، ثم احتضنا وناماً، لأن النوم وأنتما متباغضان يزرع بذرة مرض في القلب تنمو مع الأيام، أما النوم في حضن الصلح فيشفي كل شيء تقريباً.
ولكي لا تتكرر الخلافات بنفس الشكل، اجعلا عادة أسبوعية أن تجلسا معاً ساعة كاملة بدون أولاد ولا هواتف، تتكلمان عن كل شيء، عن الأحلام، عن المخاوف، عن الأشياء الصغيرة التي أسعدتكما، وعن الأشياء الصغيرة التي أزعجتكما قبل أن تكبر، هذه الساعة الواحدة أسبوعياً تنقذ زواجاً بأكمله، لأنها تمنع تراكم الغبار على القلب.
واحرصا على أن تكثرا من الكلام الجميل يومياً، ثلاث كلمات حلوة على الأقل، "شكراً لأنك طبختِ اليوم"، "أنتِ جميلة حين تضحكين"، "أنا فخور بيك لأنك صبرت على المدير"، هذه الكلمات الصغيرة تبني مخزوناً من الحب يُستخدم في الأيام الصعبة، فإذا نقص المخزون صار الخلاف كارثة، وإذا امتلأ صار الخلاف مجرد عابر سبيل.
وإذا وجدتما أن الخلافات تتكرر بنفس الشكل ولا تستطيعان حلها وحدكما، فلا تعتبروا اللجوء إلى مستشار زواجي عيباً أو فشلاً، بل شجاعة وذكاء، لأن الطبيب للجسد والمستشار للقلوب، والذي يخجل أن يعالج قلبه قد يفقده إلى الأبد.
تذكرا دائماً أن الله جعل بينكما مودة ورحمة، فإذا غاب أحدهما فابحثا عنه معاً، لا تتركا الشيطان يسرق منكما أجمل نعمة أنعم الله بها عليكما، الزواج ليس كمالاً، بل هو طريق طويل من النقص يسير فيه اثنان ليكملا بعضهما، والخلاف محطة في هذا الطريق، إما أن تكون محطة تزود فيها القلب بالوقود والحنان، أو محطة تحرق فيها كل شيء وتترك الرماد.
اخترا أن تكونا من الذين يخرجون من كل خلاف أقرب وأرحم وأعمق حباً، فهذا هو سر الزواج الذي يدوم، وهذا هو سر السعادة التي لا تنتهي.

0 التعليقات