قصة "بستان الجيران"

 قصة "بستان الجيران"

في قرية صغيرة بين الجبال، كان هناك رجل يُدعى أبو أحمد. كان يملك قطعة أرض صغيرة، لكن الجفاف ضرب القرية سنواتٍ طويلة، فذبلت أشجاره وقلّ محصوله، وبدأ يغرق في الديون. كل يوم يخرج باكراً يحرث أرضه بيديه، يسقيها بما تبقّى من ماء، ويرفع يديه إلى السماء قائلاً: "يا ربّ، أنت الرزاق ذو القوة المتين، ما أنزلتَ بي بلاءً إلا ومعك فرجٌ".

ذات يوم، مرّ عليه جاره أبو خالد وهو يبكي تحت شجرة التين اليابسة. سأله: "ما بك يا أخي؟"

قال أبو أحمد: "والله تعبت، والحياة ضاقت، وخفت أن أعجز عن إطعام أولادي".

ابتسم أبو خالد وقال: "اسمع يا أبا أحمد، أنا أيضاً أعاني، لكن سمعتُ أن بستان العم سالم الكبير على طرف القرية مهمل منذ سنين، وصاحبه كبير في السن ولا يقوى على العناية به. ماذا لو ذهبنا جميعاً – أنا وأنت والجيران – وطلبنا منه أن نعتني بالبستان معاً، نزرعه، نسقيه، نحييه، ونقتسم الثمرة بالعدل؟"

استغرب أبو أحمد وقال: "وهل يقبل؟ البستان ملكه!"

قال أبو خالد: "نحاول، والله يحب المؤمن إذا عمل أن يتقن، ويحب المتعاونين".

اجتمع عشرة من رجال الحي، ذهبوا إلى العم سالم، سلّموا عليه باحترام، وقصّوا عليه قصتهم بصدق. بكى العجوز وقال: "والله منذ مات ولدي وأنا أنتظر من يحيي هذا البستان، خذوه واعملوا فيه، وكل ما يخرج منه فهو لكم، وأنا أدعو لكم في صلاتي".

بدأ العمل. كل واحد يأتي بما يملك:

من جاء بفأسه،

ومن جاء ببذوره القديمة،

ومن جاء بقليل من الماء من بئره،

والأطفال يجمعون الحجارة ليبنوا جدراناً تحمي البستان من الريح, كانوا يعملون من الفجر إلى المغرب، يضحكون، يدعون لبعضهم، يقول أحدهم: "يا إخواني، لا نطلب الرزق من أحد إلا من الله، لكننا نمد أيدينا بالعمل الصادق والتعاون" وإذا تعب أحدهم قال له الآخر: "اصبر، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً".

جاء المطر في تلك السنة بعد غيابٍ طويل. لم يكن مطراً عادياً، بل كان وكأن السماء تبكي فرحاً على قلوبهم. اخضرّ البستان، امتلأ تفاحاً وتيناً ورماناً وعنباً، حتى صار الناس من القرى المجاورة يأتون ليشتروا ويعجبوا.

في يوم الحصاد، جلسوا تحت شجرة كبيرة، وزّعوا الثمار بالعدل، ثم أعطوا العم سالم حصته أولاً، ثم أخذ كل واحد نصيبه، وبقي الكثير… ففتحوا باب البستان للفقراء والأيتام والمسافرين، وقالوا: "كلُّ من رزقه الله من هذا البستان فليأكل ويتصدق ويشكر".

نظر أبو أحمد إلى أولاده وهم يلعبون بين الأشجار وقال بدموع الفرح:

"كنتُ أظن أن رزقي توقف عند أرضي اليابسة، فإذا بالله يفتح لي باب رزقٍ أوسع حين توكلتُ عليه، ومددتُ يدي لإخواني، ومدّوا هم أيديهم لي".

من يومها صار البستان رمزاً في القرية، يُسمّونه "بستان الجيران". وكلما مرّ أحد يائساً أو مهموماً أخذوه إليه وقالوا له:

"انظر، كل شجرة هنا كانت يابسة، لكن العمل الصادق والتوكل والأخوّة أحياها.

فلا تقنط من رحمة الله، ولا تجلس تنتظر الرزق أن يأتيك، بل قم وابحث عنه بصدق، ومدّ يدك لأخيك، فإن الله لا يخيّب من توكّل عليه وأحسن عمله".

﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

انشرها لعلّ الله ينفع بها قلباً حزيناً، أو يوقظ بها يداً كانت متكاسلة، أو يجمع بها قلوباً كادت تتفرق.

والله هو الرزاق ذو القوة المتين. 🤍

0 التعليقات